الأربعاء، 25 يونيو 2014

الفلاحين والثوره والسلميه- محاولة اوليه


منذ سنوات طويله كنت أجلس بقاعة المنزل الريفي لعم احد الاصدقاء الذي دعاني لقضاء بضعة ايام بقريته، حيث أتخمت بطا وورق عنب وصواني بطاطس بالسمن البلدي- ذهب اغلب ذلك الغذاء مهضوما ومركزا لناموس من حجم ونوع لم تعرفه سوى الديناصورات- وتشعب بنا الحديث حول أكواب الشاي السوداء وجوزة المعسل (القص) خصوصا بعد ان تكرم برش كمية وفيرة من البيروسول في سقف القاعه المسقوف ب (الكياب) فتساقطت علينا الحشرات كالمطر وانعدم زن الناموس، قلت له بلهجة الخبير : لكن وجه بحري مافيهوش السلاح اللي في الصعيد يا حاج، فنظر إلى نظرة جانبيه مصحوبة بإبتسامة السخريه العطوف التي يمنحها الريفيين غالبا كرد على جهل (الافنديه) وقال بهدوء: يعني يبقى في زريبة الواحد تلات اربع حتت بهايم تمنهم كذا الف وما عندهوش حتة سلاح يدافع عن داره؟!! ممكن أي عيلين صيع يشدوا البهايم ويمشوا بيهم، معقوله دي برضه يا باشمهندس؟!! بس أحنا ما بنفضحش نفسنا زي الصعايده، تخيلت كام دارا لها (زريبه) في هذه القريه وكم قرية في المحافظه وكم محافظة في وجه بحري وفي كل دار قطعة سلاح ترقد في مخبئها بهدوء وسلام، ملفوفة في خرقة مشبعة بالكيروسين والأعتزاز والسريه.

 أتذكر تلك السهره البعيده كلما فكرت في (السلميه) هذا المصطلح العجيب المفروض فرضا على عقولنا، الواقع والحقيقه، ان السلميه كانت واقعا في الممارسة السياسية المصريه دائما، حتى الاناركيين المصريين بأواخر القرن التاسع عشر كانوا سلميين وقتما كانت الحركة الاناركية العالمية تزلزل العروش بالقنايل والمدافع، وفي وقت كان النقابيون الثوريون الأناركيون في فرنسا وروسيا ينشئون سرايا عمالية مسلحه لحماية الإضرابات كانت من القوة والعنف ما يدفع الحكومات للضغط على الرأسماليين لتلبية مطالب العمال خوفا من الدفع بقوات الشرطه والجيش ضد تلك القوات العماليه المسلحه، كان النقابيون الثصوريون في مصر يعتمدون النضال السلمي والثقفيفي الجماهيري، طبعا يثنون على نضال رفاقهم العنفي خارج مصر ويدعمونه معنويا، لكنهم لم يشاركوا فيه او يقلدوه أبدا، أجدني أتسائل: هل المشكله هي في سكان المدن؟ هل تنتج السلميه من سكنى المدن المصريه المشبعة منذ بدايتها بالبرجوازيه التجاريه الميالة للدعه والمسالمه والحلول الوسط الإنتهازيه؟ والتي فرضت مع الوقت ميولها السلميه التفاوضيه الخاضعه على كامل الكتله السكانيه للمدن؟

للفلاحين المصريين تاريخ طويل وعريق - يتم دائما تجاهله والتعمية عليه- من ممارسة العنف المسلح المنظم ضد الدوله، بداية من الحروب الريفيه التي خاضوها ضد روما لمدة خمس سنوات في 165 ميلاديا، مرورا بثورة البشموريين المجيده ضد الحكم العربي التي أستمرت 75 عاما، وصولا للثورة المصرية العظمى ضد الحكم العباسي في عهد الخليفة المأمون والتي سحق فيها الفلاحون المصريون الحامية العربيه وطردوها وتصدوا لجيوش المأمون الجراره ولم يخضعوا سوى بالخديعه والخيانه، دون أن ننسى ذكر ثوراتهم المتتاليه ضد العثمانيين، وحروبهم البطوليه ضد الحمله الفرنسيه، وانتفاضة الصعيد الكبرى ضد محمد علي، وصولا لكل عنف الريف خلال ثورة 1919 ، ولا ننسى حوادث قطع الطرق الريفيه العديده التي جدثت في عصر مبارك والتي لم يكن النظام يملك ضدها سوى الترضيه والإذعان لمطالب الناس

هل يمكننا ببساطه أن نجيب على سؤال: لماذا لم يشارك الريف المصري في أنتفاضة 25 يناير بأنها كانت أنتفاضة سلميه، انتفاضة أهل المدن السلميه القائمه على الانتخه الإعتصاميه وحفلات السمر الثوريه، وهو ميلان حال ومياصه لا تعجب الفلاحين الذي لا يفهمون كيف تعترض على الحكومه بأنك تقعد في الشارع تغني وترقص.

علبنا ان نتخلص من الإرث الفكري للماركسيه اللينينيه تجاه الفلاحين، علينا ان نتخلص منه وننبذه وندينه، علينا ان نتطهر فكريا وأيدولوجيا من إحتقار ماركس للفلاحين، وكراهية كاوتسكي لهم، وارتباك البلاشفه امامهم وإفتقادهم لخطاب موجه لهم، علينا ان نصيغ خطابا فلاحيا حقيقيا، وننتبه للقوة الحيه التي تنبض بصدر مصر، قوة الفلاحين، ابناء الارض الحقيقيين، اصحاب قرون طويله من التراث النضالي الثوري ضد قمع الدوله وسلطويتها، علينا ان ننبذ وندين ونحارب كل المفاهيم الشائهه المغرضه لبرجوازية المدن والتي تشوه الفلاحين وتسىء لهم وتعمينا عن القدرات الثوريه لهذا الخزان البشري الحي والفعال، أنا لا انكر قوة الطبقه العامله ولا محوريتها، لكني ادعوك للوقوف بجانب بوابات مجمع (الشركه العربيه للغزل والنسيج) العملاق في الإسكندريه، لترى كم الجلاليب الريفيه التي تخرج من المصنع، هؤلاء هم عماله، نصف عمال نصف فلاحين، يجمعون الإنتمائين في إنتماء واحد، نكون عميانا لو نسينا او أنكرنا الجذور الفلاحيه القريبه والحاليه للطبقه العامله المصريه، نحن لا نتعامل غالبا مع عمال وفلاحين بل مع (عمال فلاحين) ، هذه هي القوه القادره على رفد وتعزيز أي تحرك ثوري حقيقي بالمدن، وهي قادرة على إنجاحه أو إفشاله، على منحه المدى الواسع للإنطلاق أو إبقائه ليختنق داخل المدن الكبرى التي هي في الأغلب قرى متضخمه

ربما حينها يمكننا ان نناقش بشكل منطقي وحقيقي فكرة العنف كأداه من بين أدوات عديده لخوض الصراع السياسي ضد الدوله والرأسماليه.

هناك تعليق واحد:

  1. كيف تم زرع مفهوم السلمية فى ادبيات انتفاضة يناير على الرغم من تناقض الفكرتين ؟ وكيف هضمها الناس وتقبلوها ؟
    وكيف يتقبل من هم فى الشارع الان مبدأ ( سلميتنا اقوى من الرصاص ) على الرغم من مذابح ارتكبت ضد فصيلهم ؟ لماذا لا يوجد حراك ثورى مسلح ومنظم حتى الان ؟ هل نجح العسكر فى اكبر عملية اخصاء لشعب باكمله فى عمل متواصل على مدار ستين عام ؟ هل يوجد امل فى الحراك الطلابى الثورى ( الاجيال الجديدة )( اجيال ما بعد التسعينيون ) ؟ لماذا تظهر مظاهرات الطلاب بهذا العنف والحيوية فى حين ان مظاهرات التحالف بمنتهى الميوعة ؟
    عزيزى ياسر / الحاج صاحب بيت صديقك كان يبالغ عندما اوهمك ان فلاحى الدلتا كلهم معاهم سلاح عشان خاطر بهايمهم . انا يا عزيزى من الشرقية ولم اجد هذا . وكما قلت انت له السلاح فى الصعيد اكثر . انت محق جدا فى ذلك . وازيدك من الشعر بيتا ان طبيعة فلاحى الدلتا تختلف كثيرا عن فلاحى الصعيد من المنيا وانت نازل . فلاحى الدلتا اكثر خنوعا بكتير من الصعايدة . وحتى لو وجد سلاح من اجل حماية الممتلكات هل سيستخدم من اجل تحدى السلطة والثورة عليها ؟ عزيزى ياسر انت تبحث بشكل رأسى طبقى عن من نستطيع ان نعتمد عليه ان وجد حراك ثورى وهذا ما اراه صعب المنال . انا ارى ان نعتمد على الاجيال الجديدة الاعمار من 12 الى 20 سنة الاجيال التى لم يستطيعو ان يلوثوها بعد ،بغض النظر عن الطبقة ،
    ما كان يحدث حتى وقت قريب هو الاتى : *الابن فى البيت له رب سلطوى ديكتاتور هو الاب او الام
    *يكبر شوية يجد رب اخر هو المدرس فى المدرس ( اكثر سلطوية من الاب )
    *يكبر شوية ويدخل الجيش حيث رب اخر يسومه سوء العذاب
    *يخرج من الجيش يجد رب اخر وهو امين الشرطة او البوليس عموما
    *بعد هذا تحدث عملية الاخصاء عبر مواقف حياتية تتكرر تكون نتيجتها حالة شديدة الخصوصية من المازوخية واستمراء العذاب
    هذا ما كان يحدث حتى قبل 10 اعوام مضوا
    الامل فى الاجيال التى لم يتم اخصاءها بغض النظر عن الطبقة /

    اسف جدا جدا على الاطالة الكلام خدنى
    تحاتى واحترامى

    ردحذف